music

Saturday, January 4, 2014

من خلق الكون؟



أحد أكثر المغالطات المنطقية شيوعاً هي مغالطة المصادرة على المطلوب. بسبب اعتياد عقولنا على أن الأحداث تكون بسبب شخص، نقع كثيراً في هذه المغالطة المنطقية. في أي حوار مع مؤمن لا يعرف المغالطات المنطقية سيسألك بكل تأكيد هذا السؤال "من خلق الكون؟" سؤال يبدو بسيط جداً في الوهلة الأولى، و لكنه في الحقيقة يحتوي على مغالطة أخرى تسمى complex question، فهذا السؤال يعطيك الإجابة مسبقاً، و يحصرك بإجابة معينة لا ملاذ منها، فالسؤال بحد ذاته عبارة عن مغالطة منطقية.

بسؤال "من خلق الكون؟أنت تفترض وجود شخص بقولك "من خلقو بهذا تكون حصرت الإجابة بوجود كيان قام بخلق الكون. لنوضح ذلك لنفترض أخي المؤمن عدم وجود كيان خلق الكون -مجرد أفتراضكيف تسأل بـ "من" إذا لم يكن هنالك كيان قام بخلق الكون؟ مجرد إفتراض فقط حاول أن تفكر به للحظة.
 
قد لا تصل الفكرة لك عزيزي القارئ بهذا، و بطريقة أخرى، سأحاول ما أستطيعه لإيضاح هذه المغالطة التي لا يقع بها من يعرف أساسيات الفلسفة و المنطق.

هذا سؤال يحتوي على نفس المغالطة: تخيل أنك متهم أمام القاضي بضرب زوجتك، و أنك لم تضربها، سألك القاضي "هل توقفت عن ضرب زوجتك؟" هذا السؤال يفترض مسبقاً أنك تضرب زوجتك، فإن أجبت بـ"نعم" فأنت تقر بأنك كنت تضربها في السابق و توقفت عن ذلك، و إن أجبت بـ"لا" فأنت تقر بأنك تضربها، و بكلا الحالتين أنت متهم بضرب زوجتك، فلا خيار لديك في أن لا تكون قد ضربتها أساساً!

مثال آخر، "من ينزل مياه الشلال؟" أيضاً هذا السؤال يحتوي على نفس المغالطة، فأنت تفترض وجود كيان يقوم بإنزال الماء من أعلى الشلال إلى أسفله. و نعلم أنا و أنت عزيزي القارئ أنه لا يوجد كيان يقوم بذلك. السؤال السليم هنا أن نقول "كيف تنزل مياه الشلال؟" و الجواب كما نعلم أنه بفعل الجاذبية الأرضية تسقط المياه من أعلى الشلال لأسفله.

لتوضيح المغالطة في السؤال السابق "من ينزل مياه الشلال؟لنفترض أننا لا نعلم شيء عن الجاذبية، هل يحق لنا السؤال بـ "من"؟ إن فعلنا و ضللنا نبحث لن نصل أبداً للنتيجة التي نعلمها أنا و أنت كحقيقة مسلم بها، و هي الجاذبية، لأن السؤال بالأساس خاطئ. سنبقى نحاول إيجاد هذا الكيان العاقل الذي يأخذ الماء من أعلى الشلال إلى أسفله، و لن نصل له أبداً، لأنه غير موجود أساساً، و ما يحدث شيء آخر تماماً. في حين أن السؤال يحصر الإجابة بشيء معين و يفترضها مسبقاً، و بذلك لا يتيح إجابة أخرى.

مثال آخر، "ما نوع الحبل الذي يمسك الطائرة من فوق و يمنعها من السقوط؟" هنا أردت أن أغير السؤال لـ"ما نوع"، لأحاول أن أوضح الصورة بأكثر من طريقة. نعلم أنا و أنت أنه لا يوجد حبل أساساً يمسك الطائرة من أعلى، و بسؤالك "ما نوع الحبل" تحصر الإجابة بوجود حبل من الأساس، فالسؤال خاطئ أساساً و يؤدي إلى نتيجة خاطئة. و السؤال السليم يكون بـ "ما الذي يمنع الطائرة من السقوط؟" أو "كيف للطائرة أن لا تقع؟" أو أي صيغة أخرى لا تضع جواباً من الأساس.
 
الآن نعود للمغالطة بسؤال "من خلق الكون؟". لا يؤمن الملحدين بوجود إله كما لا تؤمن أنت بوجود حبل يمسك الطائرة، و كما لا تؤمن بوجود كيان يقوم بإنزال مياه الشلال من أعلاه إلى أسفله بشكل مستمر. فلا تستطيع السؤال "بمن خلق" لأنك بذلك تفترض وجود خالق أساساً و تتساءل فقط "من هو؟" كما أفترضت الأمثلة وجود كيان الشلال العاقل و تساءلت "من هو"، و وجود حبل و تساءلت "ما نوع الحبل" أو "ماهيته”. فبذلك أنت تعطي جواب ولا تثبته، و لا تستطيع أثبات وجود الحبل بسؤالك "ما الحبل". بعبارة أخرى، أنت بحاجة أن تثبت وجود كيان خالق للكون قبل أن تسأل "من هو”. و بسؤالك "من هو" أنت تقع بمغالطة لمحاولة إثبات وجوده ولا تثبت وجوده حقيقةً. و لإثبات وجود خالق للكون تحتاج إلى شرح علمي لخلق الكون و كيفيته متسخدماً المنهج العلمي مستنداً على الأدلة و الإثباتات، و يجب على هذا الشرح أن يوضح علاقة هذا الكيان بخلق الكون بشكل مباشر، و يصف و يشرح الطريقة التي خلق بها هذا الكيان الكون بشكل علمي رصين. أي أن تشرح، على سبيل المثال، العمل الذي قام به بشكل يوضح تدخله المباشر في هذه العملية.

في الختام، ليس عيباً أبداً أن نقع في مغالطة منطقية فعقولنا تخوننا أحياناً كثيرة، و لكن المخجل أن نستمر بممارسة هذا الخطأ حتى مع علمنا بذلك فقط للإنتصار لأهوائنا و رغبتنا بإقناع أنفسنا و الآخرين بما لا يمكن الإقناع به بطريقة منطقية. أرجوا أن أكون وفقت في توضيح هذه المغالطة بشكل بسيط و سلس لك عزيزي القارئ، و أن تكون أستفدت ولو قليلاً مما سطرت. لك مني كل محبة.

No comments:

Post a Comment