music

Saturday, January 4, 2014

إله التناقضات المنطقية: إشكال رحمة و علم الله



قد تحدثت و طرحت هذا الموضوع كثيراً، و لم أجد إجابة شافية حتى الآن. أردت عزيزي القارئ أن أضع بين يديك خلاصة ما وصلت إليه في موضوع تناقض العلم المطلق مع الرحمة المطلقة. و سأطرح هنا الإعتراضات التي وجهها لي المعترضون على الحجة. لأتيح لك مساعدتي بدعم الحجة أو الرد عليها بنقد يأخذنا لفهم أفضل لها، و ليس تكراراً لنفس الإعتراضات التي أجد، بالنسبة لي على الأقل، أنهُ تم الرد عليها. و أجعلك عزيزي القارئ تقرر أيها أقرب للمنطق و الصواب. أنتظر منك يا صديقي أعتراضات أو ردود على الأعتراضات تتيح لي و لغيري فهم أفضل للمسألة.

أولاً/ الحجة:
يتصف الإله الإبراهيمي بصفات كثيرة، من هذه الصفات صفتي العلم المطلق و الرحمة المطلقة، اللتان أجد تناقض بينهما لا يمكن إهماله لأهميته في مسائل كالخلق و الحساب و العذاب، فلا يمكننا قبول فكرة لم تبنى على منطق سليم. أضع الحجة في النقاط التالية:
1- الله مطلق العلم.
2- الله مطلق الرحمة.
3- تبعاً للنقطة 1 الله يعلم مصير خلقه قبل أن يخلقهم.
4-تبعاً للنقطة 2 لا يمكن للكيان مطلق الرحمة خلق ما سيعذب.
5- خلق الله، و هو مطلق الرحمة، بشراً يعلم بمطلق علمه أنه سيعذبهم.
6- كيف يخلق الله، و هو مطلق الرحمة، خلقاً يعلم مسبقاً أنه سيعذبهم؟

هل ترى التناقض المنطقي هنا؟ كيف له إذا كان مطلق الرحمة أن يخلق بشر يعلم أنه سيعذبهم؟ فهو إما أن يكون خلقهم مع علمه بمصيرهم و لكنه ليس مطلق الرحمة، أو أنه خلقهم و هو مطلق الرحمة و لكنه لا يعلم أن مصيرهم العذاب. لهذه الفكرة تبعات أخرى سيأتي ذكرها لاحقاً في مقالات أخرى إن أتيحت لي الفرصة.

ثانياً/ الإعتراضات:
من أكثر الإعتراضات التي تلقيتها هو أعتراض حرية الأختيار، يقوم هذا الإعتراض على النحو التالي: "الله لم يحدد المصير، فعلم الله هنا هو علم للغيب، علم لما سيحدث و ليس تحديداً للمصير. فالله خلق الخلق و هم أختاروا العذاب.”
1- الله مطلق العلم.
2- الله مطلق الرحمة.
3- للإنسان حرية الإختيار.
4- تبعاً لـ 1 و 3 علم الله لا يحدد المصير، فهو مجرد علم للغيب.
3- يختار الإنسان العذاب بنفسه و لا يلام الله على ذلك.

يوجد إشكالان في هذا الإعتراض، الإشكال الأولى هي مشكلة حرية الإختيار. و لكن هذا مبحث آخر سيشعب الموضوع أكثر. لذلك سأفترض صحة حرية الإختيار. ما يهمنا هو الإشكال الثاني. يقر هذا الإعتراض بصحة نقاط الحجة، و لكنه يضيف حرية الإختيار كعامل ثالث مضاف لرحمة و علم الله. فيجعل بذلك حرية الأختيار سبب لعذاب الفرد، و هنا بالبضبط تكمن المشكلة. فهو لا يجيب على السؤال في النقطة 6 "سبب خلقي في إطار النقاط السابق ذكرها” بل يبدله بـ "سبب عذابي". فالله يعذبني لأني، و باختياري، عصيته أو كفرت به و ما إلى ذلك. بمعنى آخر، هذا الإعتراض سيكون جواباً مقبولاً نوعاً ما (إن تجاهلنا إشكالية حرية الإختيار) في حال كان السؤال "لماذا يعذبني الله؟" هذا السؤال يتحدث عما يحدث بعد الخلق، فهو يحل المشكلة بجواب يأخذ أفعالي و تصرفاتي و التي أقدمت عليها بأختياري بعد أن خلقت. و لكن سؤالي ليس في ما بعد الخلق، سؤالي و إشكالي عما قبل الخلق. لنسلم بحرية الإختيار أفتراضاً كما ذكرت، سؤالي يتحدث عما قبل وجودي، عن خلقي، و ليس تعذيبي، "كيف يخلق إله مطلق الرحمة خلقاً يعلم "مسبقاً" (أي قبل خلقهم) أنه سيعذبهم؟" فما أسأل عنه هنا سبب الخلق لا سبب العذاب و قبل أن أوجد أصلاً و يكون لي خيار، علم الله مصيري و أختياري و لم يرحمني! بل تسبب بعذابي للأبد إذ خلقني! فيبقى السؤال، بعبارة أخرى، "كيف له أنه يخلقني، و هو مطلق الرحمة، إن كان يعلم أن أختياري سيكون مصيره العذاب؟" دع عنك أختياري فأنا حر، و أخترت أن أكون كافر بوجود الله، لكن قبل ذلك، لماذا خلقني مع علمه بمصيري؟ أين كانت رحمته؟ أعيد كتابة الحجة مع إضافة "حرية الإختيار" لأوضح أن الإعتراض لا يحل المسألة بل يحل مسألة أخرى:
1- الله مطلق العلم.
2- الله مطلق الرحمة.
3- للإنسان حرية الإختيار.
4- تبعاً لـ 1 علم الله أختيار الإنسان قبل خلقه، فعلم من سيعذبهم.
5- تبعاً لـ 2 لا يمكن أن يخلق من سيعذبهم.
6- خلق الله، وهو مطلق الرحمة، خلق يعلم أنهم سيختارون بحريتهم معصيته و بالتالي سيعذبهم.
7- كيف يخلق الله، وهو مطلق الرحمة، من علم مسبقاً أنهم (تبعاً لـ 3) سيختارون معصيته و سيعذبهم؟

هذا أعتراض آخر يقوم على تعديل النقطة 2 في الحجة، يقول الأعتراض "رحمة الله لمن آمنوا به". مع إضافة حرية الإختيار.
1- الله مطلق العلم.
2- رحمة الله خاصة بالمؤمنين.
3- للإنسان حرية الإختيار.
4- تبعاً لـ 1 و 3 علم الله أختيارك.
5- تبعاً لـ 2 لم يرحمك لأن رحمته للمؤمنين.

كيف للرحمة أن تكون مطلقة إن كانت خاصة للمؤمنين؟ فإما أن تكون نسبية، فتختلف من حالة إلى حالة أخرى، أو أن تكون مطلقة لا تتغير بتغير الحالة. و ما نعلمه في العقيدة الإسلامية أن الله مطلق الكمال و مطلق الرحمة، و أثبات أو نفي الأولى يثبت أو ينفي الثانية، و بما أنه مطلق الكمال، فبالتالي يجب أن يكون مطلق الرحمة.
1- إذا كان الله مطلق الكمال.
2- مطلق الكمال يوجب كمال جميع الصفات كمالاً مطلقاً.
3- من صفات الله الرحمة.
4- إذن رحمة الله مطلقة.

فهذا فقط أثبات منطقي من دون الحاجة للعودة للنصوص التي لو عدت لها لوجدت العشرات من الإثباتات على كمال رحمة الله. فإن لم تؤمن بمطلق صفة الرحمة لن يكون الله مطلق الكمال، و بذلك لم تعد مسلماً!

بعد أن نشرت هذا المقال لأول مرة أضاف أحدهم إعتراضاً يقول بأن رحمة الله مطلقة و لكنه يرحم بها من يشاء. لست بحاجة لذكرها فهي مشابة بشكل كبير للإعتراض السابق. و يكفي استبدال "رحمته خاصة للمؤمنين" لـ "رحمته لمن يشاء" للرد عليها. لكن في هذا الإعتراض سيدخلنا في مشكلة منطقية أخرى أحببت ذكرها كإضافة. فنسأل هنا، هل إرادة الله و مشيئته مطلقة أم نسبية؟ تبعاً لما ذكرت سابقاً عن كمال الله كمالاً مطلقاً، فيجب أن تكون مشيئته مطلقة كذلك. وضعت الإعتراض بالنقاط التالية:
1- الله مطلق الرحمة.
2- الله مطلق المشيئة.
3- تبعاً لـ 1 و 2 يرحم الله من يشاء من عباده.

إن كانت مشيأته مطلقة و يرحم بها من يشاء فهذا يعني أن مشيئته حدت من رحمته، و بذلك لم تعد رحمته مطلقة بل نسبية تبعاً لمشيئته. أما إن وجب أن تكون رحمته مطلقة، فلا خيار لديه ولا مشيئة في رحمة من يشاء، فرحمته مطلقة ولا سلطة لمشيئته عليها، و بذلك تكون مشيئته نسبية و ليست مطلقة. أضعها بشكل نقاط:
1- إذا كان الله مطلق الرحمة.
2- إذن لا يستطيع الله تحديدها بمشيئته لمن أراد، و إلا ستكون نسبية تتغير تبعاً لمشيئته.
3- إذن الله ليس مطلق المشيئة.
أو
1- إذا كانت مشيئة الله مطلقة و يرحم من يشاء.
2- إذن رحمته تابعة لمشيئته التي تتحكم برحمته و تصرفها لمن يشاء.
3- إذن رحمته نسبية تبعاً لمشيئته.

أرى أن هذا الحجة المستخدمة يمكن لها نفي وجود الله. لذلك، أود أن أضع المنطق الذي استعملته لنفي وجود الله كنقطة أخيرة:
1- إذا كان الله موجوداً فيجب أن يكون مطلق العلم.
2- إذا كان الله موجوداً فيجب أن يكون مطلق الرحمة.
3- تبعاً للنقطة 1 الله يعلم مصير خلقه قبل أن يخلقهم.
4-تبعاً للنقطة 2 لا يمكن للكيان مطلق الرحمة خلق ما سيعذب.
5- خلق الله، و هو مطلق الرحمة، بشراً يعلم بمطلق علمه أنه سيعذبهم.
6- تبعاً لـ 3، 4، و 5، يتناقض مطلق العلم مع مطلق الرحمة ولا يمكن لأحدهما أن يكون مع الآخر.
7- إنتفاء أحدهما يعني فقدان الله لأحدهما.
8- لا يمكن لله أن يفقد أحد الصفتين.
9- إذن، الله غير موجود.
لا أجد إشكالاً في التسلسل بالمنطق في الإعتراضات. تكمن المشكلة حقيقةً في من يرفض التساؤل و يقول "هذه من الأمور الخاصة بالله ولا نستطيع معرفتها”. لا أعلم كيف يطلب منا أن نؤمن بشيء و يترتب عليه عذاب لنا إن كنا لا نفهمه، و بنفس الوقت يدعى أن الإيمان مسألة منطقية! قد ذكرت هذا في مقالي السابق فلن أطيل الحديث به. فمن أراد الرجوع إليه فهذا رابط المقال هنا. لستَ مسلماً، إن لم تكن واثق ثقة كاملة بصحة إيمانك، و لن تكون لديك الثقة الكاملة بإيمانك إن خشيت عليه من اسئلة بشرية. و أختفيت وراء "لا يحق لي السؤال" و بالتالي، إنه لمن المخجل أن تدعي شيء لا تسطيع ماوجهته حتى أمام نفسك. فهروبك من السؤال ليس إلى إيقان منك بضعف حجة إعتقادك.

أتطلع إلى نقد منطقي لما كتبت، سواء كنت مع أو ضد، فلست سوى إنسان يتساءل عن ماهية الأمور من حوله. و أتمنى أن يكون ما كتب مفيداً لي و لغيري.

No comments:

Post a Comment