music

Monday, January 6, 2014

نقد الحجة الغائية في إثبات وجود إله


 


الحجة الغائية أو الحجة من التصميم (Teleological Argument) حجة كثيراً ما يستخدمها المؤمنون. أستخدم المسلمون هذه الحجة و قصة أبو حنيفة مثال على ذلك. ورد في مناقب أبو حنيفة: "قال لهم أبو حنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال، مملوءة بالأمتعة وقد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية ليس فيها ملاح يجريها ويقودها ويسوقها، ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل فقالوا: لا. هذا لا يقبله العقل، ولا يجيزه الوهم.فقال لهم أبو حنيفة: فيا سبحان الله! إذا لم يجز في العقل وجود سفينة تجري مستوية من غير متعهد، فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أمورها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ومحدث لها؟!”

لهذه الحجة أشكال و صيغ مختلفة تعاد مراراً و تكراراً بصيغ مختلفة من قبل الكثير من الأديان. من أبسط الصيغ لهذه الحجة:
1- الكون منظم مماثل للآلية المصممة كالساعة.
2- الآليات المنظمة تتطلب مصمم.
3- إذن لابد و أن يكون للكون مصمم.

الحجة الغائية عبارة عن حجة بواسطة القياس. قوة و ضعف القياس يؤثر طرداً على سلامة الحجة. فاختلاف عناصر القياس يضعف الحجة و زيادة التشابه يقويها. و مع القليل من النظر في القياس المستخدم، بالنسبة لي على الأقل، أرى الحجة من أسوء، إن لم تكن أسوء، الحجج المستخدمة لإثبات وجود خالق.

في المصنوعات البشرية (كالساعة) نقوم باستخدام عناصر موجودة مسبقاً. و باستخدام هذا القياس نصل إلى أن الإله، إن وجد، قد صمم الكون عن طريق عناصر موجودة مسبقاً كذلك. و هذا ما يخالف فكرة الإله الإسلامي الذي خلق الكون من عدم و يحد أيضاً من وضيفته إلى أنه بناء لا أكثر.

يتوجب في بناء المصنوعات البشرية (كالساعة) وجود مجهود و حركة فيزيائية. باستخدام هذا القياس نصل إلى أن الله بنى الكون عن طريق عمل فيزيائي. و هذا يطرح سؤال هل الله بحاجة للقيام بعمل فيزيائي؟ إذا كان بحاجة إلى ذلك، فأين قدراته الخارقة للطبيعة؟
المصنوعات البشرية (كالساعة) يجب وجود كيانات بأجساد فيزيائية. باستخدام هذا القياس نصل إلى أن الله له جسد فيزيائي! و إيضاً، يجب أن يوجد الصناع للمصنوعات البشرية في وسط فيزيائي مما يعني أن الله موجود داخل وسط فيزيائي كذلك. من أين أتى الله إذن؟ بل من أين أتى هذا الوسط الفيزيائي الذي يحويه؟ هذه مشكلة كبيرة جداً، فإن كان الله موجود في وسط فيزيائي، فما الحاجة إلى الله لتفسير الوجود الفيزيائي؟

تبنى المصنوعات البشرية الكبيرة، الطائرات على سبيل المثال، بواسطة أكثر من صانع. باستخدام هذا القياس، حجم الكون كبير جداً و قد يحتاج أكثر من إله لبنائه. وجود أكثر من إله يعني عدم صلاحية الحجة، إن صحت، للأديان الإبراهيمية.

وجود عيوب أو أمور لا فائدة منها في المصنوعات البشرية (كالساعة) يعني أن الصانع جاهل، مهمل أو غير مكترث. باستخدام هذا القياس، و مع وجود عيوب و أمور كثيرة بلا فائدة أو تأثير، نصل إلى أن الله جاهل، مهمل، أو غير مكترث.

جميع المصنوعات البشرية (كالساعة) صنعت بواسطة كيانات يجب أن تموت أو ماتت. باستخدام هذا القياس نستطيع القول أنه إما أن الله قد مات أو سيموت.

مع هذه النتائج نجد ضعف القياس مع ما يدعيه المؤمنون لإلههم، و هذا يعني أن الحجة ضعيفة كذلك. جميع هذه النتائج تختلف مع ما يعتقده المسلمون أو المؤمنون بالإله الابراهيمي عموماً. فكيف لهم أن يأخذوا جانب و يهملوا جوانب أخرى باستدلالهم على إلههم؟ بعض المؤمنين سيرى أن هذه القياسات سخيفة، و ما أقوله، هو أني أرى قياسهم سخيف بنفس الدرجة التي يرون بها هذه القياسات لأنها غير متشابهة أساساً. الفرق الوحيد بيننا أنهم أخذوا صفة و أنا أخذت جميع الصفات.

مشكلة أخرى إذا فرضنا صحة الحجة، فالإله كما يراه المسلمون كيان معقد عاقل و هذا يعني أن الله يجب أن يكون له مصمم تبعاً للحجة نفسها و بهذا ندخل في حلقة مفرغة، و هذه مشكلة منطقية تدعى اللانهائية أعني قولهم أن كل شي معقد أو منظم يجب أن يكون له مصمم يعني أن الله له مصمم، و مصمم الله له مصمم كذلك ... و هكذا بشكل حلقة تدور حول نفسها بلا معنى. هذا يوقعنا بمشكلة اللانهائية و لا يعطي حل أو إجابة حقيقية، بل يرفع السؤال درجة للأعلى و درجة غير مفهومة أو معروفة أو قابله للفهم أساساً.

يرد المؤمنون على هذا الإعتراض و الذي يوضع بسؤال "تبعاً للحجة، من صمم الله؟" بأن "صفات الخالق تختلف عن صفات المخلوق"، و بأن "هذا السؤال يجعلنا نقيس الخالق بمخلوقاته”. هنا ينسى أو يتجاهل مستخدم هذه الحجة أنه وقع بما يعترض عليه أساساً في قياسه المصنوعات البشرية بصانعيها -البشر- أو بالطبيعة. فإذا كنت تحرص على عدم قياس الخالق بمخلوقاته، فهذا يعني أنك تقر بأن صفات المصنوعات البشرية لا تلزم البشر و الطبيعة, أي أن البشر ليسوا كالساعة. و إلا فهو يقع بمغالطة الإستثناء الخاص بالإضافة للقياس الضعيف. لأنه يقر بأن القياس لا يمكن استخدامه بين المصمم و التصميم إذا كان المصمم الله (قياس ضعيف)، أما إذا كان المصمم بشر فلا بأس من أن يكون كالساعة (استثناء خاص)! فمع إقراره و طلبه منا عدم استخدام القياس و السماح لنفسه باستخدامه، يقوم مستخدم هذه الحجة باستثناء الله إستثناء خاص من الحجة التي استخدمها لإثباته.

لنلخص ما ذكرناه سابقاً نجد أن مستخدم هذه الحجة يبيح أولاً: قياس ما يشاء و يتجاهل ما يشاء. ثانياً: يعطي منطق يدخلنا في حلقة مفرغة و مشكلة اللانهائية ثالثاً: .يبيح القياس إذا كان للطبيعة و لا يبيحه إذا كان لله.

نعلم أن للعلم حدود، و لكن هذا لا يعني أن هذه الحدود لا تتسع. في السابق، لم تكن فكرة التطور بالإنتخاب الطبيعي ضمن حدود المعرفة البشرية، فلم يعرف الأولين، حسب تجربتهم، طريقة لوجود نظام ما إلا بوجود منظم. في حاضرنا، و بعد التطور الهائل في العلوم و التقنية، لا يزال الكثير من البشر، و للأسف، متمسكين بتفسيارات بدائية صادرة عن جهل القدماء لما نقف عليه الآن من معلومات و علوم و تقنية تتيح لنا فهم ما أخطأوا بفهمه سابقاً. لا يزال الكثير من البشر متمسك بالإجابة البسيطة و الكسولة التي لا تحل شيء بالأساس. بل أن الكثير يُقَاتِلون و يَقتُلون لكي تؤمن بتفسيرات قدمها أسلافنا بجهلهم لكي يفهموا وجودهم في ظل غياب المعلومات الكافية للإجابة على هذه الأسئلة. لا يلام أسلافنا على ما فعلوا فهم بحثوا و حاولوا جهدهم، الملام هنا هو من يتمسك بالجهل مع توفر العلم أمام عينيه. الملام هو من لا يريد أن يتعب نفسه، ولو قليلاً، و يركن للإجابة الركيكة الكسولة.

من يستخدم الحجة الغائية دائماً ما يركز على "إما أن يكون الله أو يكون صدفة" ولا يريد النظر بحلول أخرى. و اليوم، وجدنا أن الحياة، بتنوع أشكالها و تعقيدها، يمكن توجد دون الحاجة لمصمم و أنها ليست مصادفة. فبعد أن قام داروين بتقديم التطور بواسطة الإنتخاب الطبيعي، لم يعد لنا حاجة بإله يخلق أنواع الأحياء المختلفة. فكل ما نحتاجه هو قسوة الطبيعة و قوانينها بالإضافة إلى التكاثر. من يستطيع البقاء سيبقى و سيعطي صفاته التي ميزته للأجيال اللاحقة، و التي ستكتسب الصفات المميزة في الأبوين، أما الصفات الضعيفة التي لا تساعد على البقاء ستنتزع بأنتزاع حامليها و منعهم من الإنتاج. و قليل من الطفرات هنا و هناك، و الوقت الطويل، سيكون لدينا أنواع مختلفة عن بعضها قادرة على التأقلم مع وسطها الذي تعيش به. و ما نراه هنا أن الإنتخاب الطبيعي ليس صدفة ولا عشوائية أبداً!

منذ أن قام داروين بنشر كتابه" أصل الأنواع" و النظرية تتعرض لهجوم من المؤلهة، لأنهم يعلمون أن هذه النظرية تأخذ و بشكل صارخ و قوي عمل أُختص به الإله. فهي تشرح تنوع الحياة و تشكلها بشكل مادي بحت من دون الحاجة "للخارق للطبيعة”. و الآن، مع تقدم العلم في مجالات مختلفة، لا تزال الأدلة تشير لما أشار له داروين، و تثبت و تدعم ما قاله مراراً و تكراراً. فنجد بهذه الكائنات الحية الجميلة بقايا زائدة عن الحاجة أو أخطاء و عيوب لا تحدث من مصمم بل من طبيعة عمياء تبني على ما تجده ولا تغير و تبني من جديد. لست هنا بصدد شرح نظرية التطور، و لكن لأضعها على الطاولة و أشير أن فكرة التعقيد لا تحتاج بالضرورة إلى إله. فالإنتخاب الطبيعي كفيل بذلك. بل أن نظرية التطور بالإنتاخب الطبيعي هي الوحيدة التي، و بأمتياز، قامت بشرح كيفية الحصول على الأحياء المعقدة لتبدوا كما لو كانت مصممة.

نظرية التطور بالإنتخاب الطبيعي هي نواة علم الأحياء، و على جميع المستويات، قامت النظرية بدحظ جميع الأساطير و الخرافات التي تتحدث عن خلق الإنسان. و لكن ماذا عن الكون؟ ماذا عن القوانين التي قادت هذا التطور بالإنتخاب الطبيعي؟ لا يزال الفيزيائيون يبحثون عن نشأة قوانين الطبيعة، و يبحثون كيف أتت الوحدة التي اتسعت في الإنفجار الكبير. و حالياً، توجد أفكار و نظريات جديرة بالذكر تتحدث عن تطور و أنتخاب للكون و قوانين الفيزياء، كما هو الحال مع الأحياء. فكوننا قد يكون كون من عدة أكوان، و قوانينه قوانين حدثت بنشوءه. بمعنى آخر، قد يكون هنالك عدة أكوان غير كوننا، و لكل كون قوانينه الفيزيائية الخاصة به. بأخذ هذه الفكرة بعين الإعتبار فإن أي شيء يمكن أن يحدث، يحدث. قد لا يكون هذا صحيحاً أيضاً، و البحث لا يزال جاري، و حتى لو لم يكن، فلا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن الكون مصمم لأجلنا، و هو ما أتمنى أن أجد وقتاً لتوضيحه لاحقاً. و لكن القفز لإجابة لا معنى لها، مثل "الله فعل هذا"، هو الكارثة.

قد بينت أنه و بالإضافة إلى المشاكل التي تطرحها الحجة الغائية أو الحجة من التصميم قامت فكرة التطور بإلغاء أي حاجة لمصمم خارق للطبيعة. فالحجة ذاتها تقوم على أخطاء و تنتج أخطاء و لا تعطي أجوبة حقيقية. في حين يوجد أجوبة أفضل بل و أكثر واقعية و قابلة للدراسة و الإثبات. و هذا ما أتمنى أني قمت بإيضاحه و أيصاله.

No comments:

Post a Comment